أهل البيت عليهم السلام سادة أطهار2
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
أهل البيت عليهم السلام سادة أطهار2

سيرة، قصائد، خطب، وصايا ومواعظ وحكم، أدعية، قصص .. عن رسول الله (ص) وأهل بيته الكرام (ع)
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

  البرنامج الرسالي للنهضة الإسلامية الحديثة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ناصر الحسني
مدير
مدير
ناصر الحسني


المساهمات : 254
تاريخ التسجيل : 17/03/2018

  البرنامج الرسالي للنهضة الإسلامية الحديثة Empty
مُساهمةموضوع: البرنامج الرسالي للنهضة الإسلامية الحديثة     البرنامج الرسالي للنهضة الإسلامية الحديثة Icon_minitimeالإثنين يونيو 11, 2018 3:27 am

البرنامج الرسالي للنهضة الإسلامية الحديثة:

اتسمت المرحلة السابقة من حياة أمتنا بسمات متعددة منها غلبة حالة نفسية من الأحاسيس التي تطفو بالفكر على السطح ولا تغور إلى أعماق الأمور، وكذلك صفة عامة من التفسير الشعوري للأشياء، والانطباع العاطفي عن مسائل الحياة والكون والتاريخ. 
كما اتسمت هذه المرحلة بسمات قشرية، وتبرير العجز الفكري والوضع المتخلف بتبريرات طفولية ـ من النوع الذي يبرر به الطفل عجزة وتخلفه وكسله واتكاله على وجود أبويه، واطمئنانه الخادع إلى استمرار الوضع، أو عدم تقديره للمستقبل ومتطلباته وهروبه من الصعوبات ـ.
والسبب قد يعود من بين الأسباب إلى الوضع السياسي الذي كان حاكماً في تلك المرحلة، وهو وضع سياسي موروث من عهود الاستعمار والتخلف، فقد أفرز هذا الوضع سيطرة أنظمة استبدادية، وحكومات عائلية وراثية، تشيع الكبت والديكتاتورية، وتخلق جواً من الإرهاب والشعور بالهزيمة، أو تساعد على غلبة المواقف الشعورية العاطفية، وشيوع حالة من القشرية، والتقليد الأعمى للآخرين، والتقلبات العاطفية، والأحكام السطحية، وهذه الحالة أشبه ما تكون بحالة الطفل في جو عائلي يحكم فيه أب خشن الطبع، حاد المزاج، وتسيطر على البيت أجواء الكبت والتشنج، ويخلو مناخه من نسمات الحرية والمرح، فكيف يا ترى يشب هذا الطفل وينمو في مثل هذا الجو الخانق المكبوت؟؟
وهكذا نشأ جيلنا السابق في أجواء سياسية مكبوتة، وفي ظروف اجتماعية موروثة من عهد الاستعمار والانتداب، وفي أوضاع نفسية وفكرية متدنية تسودها النفسية الانهزامية المتخاذلة، والأفكار التبريرية التخديرية التي أشاعها الاستعمار وعملائه ـ عبر أجهزة الإعلام المضلل ووسائل التوجيه والتحريف الفكري ـ.
من هنا سادت حالة الطفولة السياسية، والتخلف الفكري والثقافي على حياة أمتنا، وهذه الحالة بدورها أوجدت مأساة التخلف الحضاري والفقر والحرمان الاقتصادي، والجهل والأمية، والتجزئة والتشرذمات الإقليمية في بلادنا الإسلامية.
وللخروج من مرحلة الطفولة الفكرية، والوصول إلى مرحلة البلوغ الحضاري والرشد الفكري.. علينا أن نطوي هذه المرحلة المتوسطة، التي تشكل البرزخ بين مرحلة الطفولة وبين مرحلة الشباب والرشد، أو ما يعبر عنها بفترة المراهقة ـ في مسيرة الإنسان العادية ـ.
ومثل مرحلة المراهقة في عمر الإنسان ـ حث تكون مرحلة صعبة، وحيث تتفتح في كيانه كل المشاعر وتتبرعم في نفسه المواهب، وتنفجر في داخله الطاقات الغريزية والنفسية والذهنية.
فالإنسان بحاجة ماسة في مثل هذه الحالة إلى أن يحسن استغلال هذه الفترة، ويعرف كيف يستثمر هذا الانفجار الشعوري، والانفتاح الذهني، والاستعدادات والطاقات الذاتية، وهذا طبعاً بحاجة إلى وجود مرشد وموجه يوجه الإنسان إلى طريقه السليم لاستثمار هذه المرحلة، وبحاجة إلى هداية تهديه إلى اختبار برنامج حياتي صائب، ومنهج لبناء شخصيته الإنسانية المتكاملة، واستثمار طاقاته وتنمية مواهبه.
وإلا ـ بغير هذه الصورة ـ فقد ينحرف الإنسان ويتعرض لمزالق الطريق، ويقترب من مواقع الخطر، ويشرف على السقوط لأن هذه المرحلة من حياة الإنسان مرحلة اختبار صعبة تصاحبها معاناة واقعية، وأزمات وصعوبات محتملة، يحتاج الإنسان فيها إلى حسن التوجيه وادارة، وإلا ضاعت وتبددت فرص النمو والاكتمال عنده، ولربما انقلبت عليه وتحولت ضده، وصارت سبباً لدماره وخسارة عمره ورأسماله..
وأمتنا اليوم هي الآن هكذا تمر بمرحلة مراهقة فكرية وسياسية وحضارية تودع مرحلة سبقت، وتستعد لاستقبال مرحلة قادمة هي مرحلة النمو والرشد والانطلاق الحضاري، والنهوض بمهمات القيادة لمستقبل العالم المعاصر بعد أن كادت الحضارة المادية بشقيها الغربي والشرقي تؤذن بالرحيل، وتستنفذ أغراضها المرحلية، وتقارب الانهيار لما تحمل في بنيتها من بذور الفناء، ولما ركبت من أول يوم على أسس زائلة وحاجات مرحلية تنفذ وتستنفذ منها الإنسانية أغراضها.
فالآن.. وبعد انفجار وانتصار الثورة الإسلامية في إيران… بدأت تدخل أمتنا الإسلامية مرحلة جديدة من مسيرتها الحضارية، وهي مرحلة اليقظة والانفتاح والانطلاق وتودع مرحلة الطفولة والغفلة السابقة، وتمر بفترة من الزمن يمكن أن نطلق عليها بفترة (المراهقة الفكرية والسياسية) وما ترافق هذه الفترة من تفتح وانفجار شعوري ونفسي، واستعداد للنمو والازدهار الحضاري، كما أنها لا تخلو من صعوبات وأزمات ومعاناة حقيقية لاجتياز هذه المرحلة الصعبة في حياة الفرد أو الأمة سواء بسواء..
فإذا كانت الأمة اليوم تعيش هذه المرحلة، فهي لا شك تحتاج أيضاً إلى ذلك المرشد الذي يرشدها إلى حسن استغلال هذه المرحلة الانتقالية، واستثمار ما فيها من الفرص والطاقات المتفتحة، وتحتاج احتياجاً مسيساً إلى من يهديها إلى ذلك البرنامج الحياتي، والمنهج الحضاري الصحيح، الذي يستطيع أن يوجه طاقاتها واستعداداتها، ويعدها لبلوغ تلك المرحلة من الرشد الحضاري والنضوج الفكري والسياسي الذي تستأهل به قيادة العالم، وإنقاذه ممّا يعاني، وبناء مستقبل أفضل للبشرية.
هذا المرشد هو النبي.. وهذا البرنامج هو رسالة الإسلام الخالد.
فلابد لأمتنا من الاهتداء بمنهج الرسالة المحمدية، التي هي بدورها زبدة كل الرسالات السماوية، وحصيلة المسيرات الرسالية في التاريخ الإنساني كما أن نبينا محمد (صلّى الله عليه وآله) يشكل القمة، فهو خاتم النبيين وسيد المرسلين في هذه المسيرة، والقيادة في قافلة النبوات والأنبياء وفي كلمة للإمام علي (عليه السلام) يشرح فيها دور الأنبياء في حياة الناس والهدف من بعث الرسل يقول: (فبعث فيهم (في الناس) رسله وواتر (تابع) إليهم أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكروهم منسي نعمته، ويحتجوا عليه بالتبليغ، وليثيروا لهم دفائن العقول، وليروهم آيات القدرة، من سقف فوقهم مرفوع، ومهاد (أي ارض) تحتهم موضوع، ومعايش تحييهم، وآجال تفنيهم وأوصاب (أمراض) تهرمهم، وأحداث تتابع عليهم).
هذا هو خط المسيرة الرسالية التي يجب على الأمم أن تسير عليه للوصول إلى الرشد الحضاري والنمو والازدهار..
1ـ ليستأدوهم ميثاق فطرته:
لدى تأملي لهذه الفقرة من الحديث العلوي الشريف تذكرت الحج، وتبادرت إلى ذهني صورة الحجيج الوافدين إلى بيت الله الحرام، ومنظر ذلك التجمع المليوني، والمؤتمر السنوي العالمي للمسلمين، وتوافدهم إلى المشاعر المقدسة من كل أطراف الدنيا، ومختلف الشعوب والجنسيات والقوميات فتشاهدهم إمام عينك في أثناء مراسم الحج، سواء في حالة الطواف حول الكعبة، أو في عرصات عرفات، أو جنبات منى، أو حول قبر النبي (صلّى الله عليه وآله)، تشاهد تلك السيل البشري الهادر وقطراته التي تشكلت من كل لون وعنصر ولغة، وكلما تمد عينك يميناً وشمالاً تطالع أناساً من كل قارات الدنيا، وأجناس مختلفة من أقصى شرق الأرض وغربها، أو من أقصى شمال العالم إلى جنوبه، وقد جاء هؤلاء تلبية لدعوة إبراهيم الخليل (عليه السلام): (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ).
وفي كل سنة يتكرر هذا المنظر الأخاذ لاجتماع الإنسانية وشعوبها، في موسم واحد، وعلى صعيد واحد، يرددون على مختلف لغاتهم ولهجاتهم كلمة واحدة (لبيك اللّهم لبيك) وليتجهوا إلى هدف واحد، ويقوموا بأعمال موحدة، ومناسك واحدة، ولكن ما الذي جاء بكل هذه الشعوب المختلفة جنساً ولغة ولوناً من كل أصقاع العالم، هذا من أفريقيا، وهذا من آسيا وهذا من جزر الملايا، وذاك من أوروبا أو الأمريكيتين؟!
هذا أعجمي وذاك عربي، هذا هندي، ذاك تركي، هذا من بلاد الخليج، وذاك من سواحل أفريقيا، وهذا من الصين أو اليابان، وذاك من مصر والعراق وإيران..
منظر عظيم وتظاهرة إنسانية ضخمة!!
من وما الذي صهر هذا الخليط البشري في بوتقة، وجمعها في حركة واحدة إلى وجهة واحدة، وجلبها من كل مكان إلى هذا المكان؟
إنها دعوة إبراهيم التي وجهها إلى كل أجيال البشرية وشعوب الإنسانية جمعاء ـ وهؤلاء المسلمون أتباع محمد (صلّى الله عليه وآله) جاءوا لأداء فريضة الحج التي فرضها الله على كل مسلم.
وما الذي فعل إبراهيم ـ وصنعه محمد (صلّى الله عليه وآله) لجذب هذه الحشود البشرية في كل سنة، وجمع هذا السيل الجاري الذي لا يزال يتدفق بلا انقطاع ـ منذ أوّل يوم بني فيه إبراهيم الخليل (عليه السلام) بيت الله وعلى مر العصور والأجيال وحتى يومنا هذا والى يوم القيامة؟ وسيستمر هذا السيل الهادر ويتصل تدفقه، ويجمع قطراته من كل مكان، لتصب في مجرى الوحدة الإنسانية العظيمة، وتسيل في مصب الأخوة الإسلامية العظيمة ليشعر كل مسلم بأنه أخو المسلم الآخر دون فرق بين أسود وأبيض، أو تمايز بين عجمي وعربي.
إن الأنبياء وعلى رأسهم إبراهيم الخليل (عليه السلام) والنبي محمد (صلّى الله عليه وآله) صنعوا شيئاً واحداً وعظيماً.. وهو أنهم ذكروا الناس بفطرتهم.
الفطرة هي: قوة الجاذبية التي تمكنت أن تجمع هذا الخليط البشري الضخم في موسم واحد، وفي مكان واحد، لقد ذكروا الإنسان بفطرته الإنسانية، وأشعروا هذا الكائن بأنه مخلوق الله، ومسؤول في هذه الحياة،ومطلوب منه أن يسير في طريق الله إلى الله.
هذا الذي صنعه الأنبياء، وعجز عنه بقية المصلحين والعظماء وأصحاب المبادئ والمذاهب الوضعية. (ليستأدوهم ميثاق فطرتهم).
أي إن الله أخذ من الخلق ـ يوم خلقهم ـ ميثاق العبودية له وتوحيده، فلقد خلقهم لغاية وهدف: هو أن يتجهوا في حياتهم إلى الله، ويوحدوه، ويعبدوه، ويطبقوا منهاجه وشريعته المنسجمة مع الفطرة البشرية تماماً، وما على الأنبياء إلا أن يعيدوا الإنسان إلى فطرته ويذكروه بإنسانيته ومسؤوليته، ويثيروا فيه الإحساس بالكائن المخلوق الذي عليه أن يتوجه إلى الخالق قلباً وقالباً.
ولكن لو نسي الإنسان نفسه، وغفل عن فطرته، وضل الطريق إلى اكتشاف ذاته، ولم يعرف انه مخلوق لغاية ولهدف، وانه كائن حر ومسؤول، فهنا يكمن سر الانحراف والضلال في حياة الإنسان، ويكون مصيره إلى الخسارة والدمار، فلنعمل عمل الأنبياء ونؤدي هذا الدور الرسالي في الحياة وهو:
تذكير الناس بفطرتهم، وتنبيه الإنسانية إلى نداء العقل والفطرة، وإعادة الإنسان إلى الإنسان، أي توجيه الإنسان إلى مسؤوليته الإنسانية، وإشعاره بحريته وكرامته، وتذكيره بأنه مسؤول عن هذه الحرية، ومطلوب منه أن يحيا في الدنيا حراً كريماً، والطريق إلى الحرية هو العبودية المطلقة لله، والطريق إلى الكرامة لا تكون إلا برفض كل العبوديات والخضوع لغير الله.
2ـ ويذكروهم منسي نعمته:
أية نعمة أغلى من الحرية..
بل هي الأمانة التي حملها الله سبحانه وتعالى للإنسان بعدما عرض هذه الأمانة على السماوات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ـ وحملها الإنسان..
هذه الأمانة كانت نعمة العقل، والاختيار، ونعمة الحرية، ولكن قد ينسى الإنسان هذه الأمانة. وقد يجهل قدر هذه النعمة، ويجهل قيمة هذه الحرية، فيبيعها بثمن بخس، يبيعها مقابل الحصول على شهوة رخيصة، أو مصلحة آنية، أو منفعة وقتية، ويرضى بالخضوع للشيطان والذل أمام الطاغوت قبال حفنة من الدراهم، أو ينسى سعادته وإنسانيته وهي الحرية، ويشتري الذل والشقاء الأبدي.
فالحرية أغلى نعمة وهبها الله للبشرية، وميزة وفضله بها على سائر المخلوقات، وثمنها غال جداً.. إنها: المسؤولية.
فالإنسان مسؤول لأنه حر، بينما ساير المخلوقات من حيوان وجماد ونبات ـ غير مسؤولة، لأنها لا تملك الحرية والاختيار، لكن حينما يجهل الإنسان قدر نفسه، وينسى نعمة الله عليه، ويضيع نفسه في زحمة الشهوات والصراعات الدائرة في داخله بين قوى الخير والشر، بين الشهوة والعقل، بين الإرادة والغريزة، وينسى بالتالي أنه مسؤول عن اختيار طريق الخير، واتباع نداء العقل، وتحقيق السيادة على نفسه بارادته، حينئذ يسقط، ويظلم نفسه، ويخسر حياته، كما قال الله: (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً).
لأن رأسمال سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة هو حريته، وعليه أن يسعى، ويكد، ويتعب، ويكافح من أجل تحقيق هذه الحرية عن طريق:
1ـ السيادة على نفسه وشهواته وغرائز نفسه التي تجره إلى السقوط والحضيض.
2ـ الكفاح ضد الطغاة والظالمين الذين يريدون أن يسلبوا منه حريته وكرامته، وهذا ما عبر عنه القرآن الكريم بالكفر وبـ(الجبت والطاغوت) وهذه هي المهمة الثانية في حياة الأنبياء، الاهتمام بهذا الكنز الدفين الذي يملكه كل فرد في داخله:
1ـ الوعي. 2ـ حرية الإرادة الإنسانية.
فقلب الإنسان منطقة حرة، لا تتمكن كل قوة الدنيا أن تجبر الإنسان على كره أحد أو حب أحد، بل الإنسان هو الذي يقرر ويختار بكامل وعيه وارادته، فما عليه إلا استثمار وعيه وارادته لنيل الحرية في الدنيا والسعادة في الآخرة.
3ـ وليحتجوا عليهم بالتبليغ:
إذا كان الإنسان حراً ومسؤولاً عن مسيره ومصيره، وتحقيق حريته وسعادته، فكيف يضمن لنفسه الحرية والسعادة؟ وكيف يكون؟ ومثل من حتى يكون حراً سعيداً؟
الجواب: إن الأنبياء يأتوا فقط ليرشدوا الإنسان إلى أمانة العقل ونعمة الحرية، وينبهوا إلى رأسمال سعادته: الوعي والإرادة بل أنهم أيضاً كافحوا من أجل تضمين هذه الحرية، وتحقيق هذه السعادة للإنسانية، وناضلوا وتحملوا كل ألوان العذاب والتشريد والتهجير، وذاقوا صنوف التنكيل والتعذيب حتى القتل، من اجل أن يزيحوا الظلم والظلام عن طريق الإنسانية، ويقاوموا أولئك الطغاة والجبابرة الذين أرادوا استعباد الإنسان، وسلب حريته وكرامته ومنعه من حق الاختيار والإرادة.
فسلوك الأنبياء ومسيرتهم النضالية خير قدوة لنا، ويعتبرون حجة علينا، لأنهم أعطونا المنهج الكامل لإدامة طريقهم في مقاومة الظلم والباطل، والجهاد من اجل استعادة حرية شعوبنا، وتحقيق الكرامة لأمتنا، وتطهير الأرض من الظلم، والاستعمار، والاستبداد، والاستعباد، وهذا يتوقف على فهم الإنسان مسؤوليته، ومعرفته الطريق لأداء هذه المسؤولية، وهو طريق الكفاح والنضال من أجل الله، والحق، والحرية، كما علمنا الأنبياء ورسموا لنا الطريق بتضحياتهم، وبلغونا رسالة النضال والحرية، ليس بكلامهم فقط بل وحتى بدمائهم وجهادهم بالمال والنفس والغالي والرخيص.
4ـ وليثيروا لهم دفائن العقول:
سؤال: ما الذي يمنع العقل من الانطلاق والتحفز نحو الإبداع والابتكار؟ وما الذي يمنع الإنسان من استثمار موهبته العقلية وطاقته الفكرية وتنميتها؟
الجواب:
1ـ حين يكون العقل دفيناً تحت أركام من الشهوات، والهوى، والغرور، والتكبر عن قبول الحق.
2ـ حين يكون الفكر مكبلاً بقيود سياسية، وسلاسل من الكبت الفكري، والقمع السلطوي والسياسي.
3ـ حين يضع للفكر سقفاً من التقليد الأعمى للآباء، وتصنيم الأشخاص، والتعصب للماضي الموروث.
4ـ الخوف من نتائج الفكر، ومسؤوليات التفكير، والتحليل العقلي للأمور، من تحمل مسؤولية المواقف والأعمال التي يتوصل إليها العقل، ثم يتطلب من الإنسان أن يغير مواقفه السابقة، أو يعيد النظر في برامج حياته.
في سبيل رفع هذه العقبات والموانع النفسية والخارجية من طريق الإنسان، وتحرير عقله وإرادته الإنسانية من كل ضغط وقيد، كان برنامج الأنبياء في هذا السبيل هو:
1ـ تحرير العقل الإنساني والإرادة البشرية من قيود الهوى والشهوات، وتحكيم مقاييس العقل والمنطق العلمي في اختيار الطريق الصائب في الحياة، وتقوية الإرادة وترسيخ الصلابة النفسية للإنسان أمام الشهوات والأهواء.
ومن ذلك نجد في الآيات القرآنية تنديداً بكل من يتخذ هواه إلهاً يعبده ويطيعه، ويتخذ من شهواته ومصالحه الآنية قبلة يتوجه إليها، وتجره إلى السقوط والنهاية المدمرة، ويدع طريق الحق والكمال الإنساني!!
وكذلك جاء في الأحاديث النبوية الشريفة تأكيداً ملحاً على ترويض النفس، وتصليب الإرادة، وامتلاك المقاومة الروحية للشهوات، والسلبيات، والعقد النفسية، التي تكبل عقل وشعور الإنسان، وتمنعه من الصعود والسمو، فقد ورد في الحديث:
(أشجع الناس من غلب هواه).
و(قاتل هواك بعقلك).
و(فاز من غلب هواه وملك دواعي نفسه).
واعتبر النبي الجهاد الأكبر هو جهاد النفس، أي مقاومة شهواتها ونزواتها، وتزكية النفس وتحريرها من أسر لنظرات الضيقة، والمصالح الذاتية، والأنانية، والعقلية النفعية..
2ـ جاهد الأنبياء من اجل تكسير القيود السياسية وإزاحة الأغلال والأنظمة الدكتاتورية على المجتمع..
فنجد في وصف مهمة النبي في القرآن الكريم قوله تعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ).
ففي مقدمة مهام النبي مقاومة الانحراف السياسي والاجتماعي، ورفع القيود والأغلال الخارجية والسلطوية، التي يمكن أن تحجر على العقل والتفكير، وتمنع الإنسان والمجتمع من الانطلاق، ومن مقاومة حقه في تقرير مصيره، وتحقيق حريته واستقلاله.
إن أحد أسباب التخلف الفكري والثقافي في مجتمعاتنا اليوم هو سيطرة الأنظمة الطاغوتية والحكومات العملية والمرتبطة بالاستعمار وأحد المعسكرين الغربي والشرقي.
وهذه الأنظمة والحكومات لا تتمكن أن تعيش في أجواء نقية يتنفس فيها المواطنون نسمات الفكر المتحرر، أو يستنشقوا هواء الحرية.
بل لابد لهذه الأنظمة والحكومات لو أرادت أن تعيش وتستمر في السلطة أن تحكم الشعب بقوة الحديد والنار.
وفي ظل القمع السياسي، وأجواء الدكتاتورية، كيف يتمكن أن يعيش الفكر الحر، أو ينطلق العقل البشري، وينتج ويبدع ويحلق إلى قمة الإبداع والابتكار!!
إن الله تعالى نفسه لم يشأ أن يكره الناس على الإيمان به، أو اختيار عقيدة معينة عن طريق القسر والإكراه، بل قال عز وجل في آيات متعددة: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ). (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ). (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ).
حتى جاء القرآن ليبشر أولئك: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ).
بأنهم: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبَابِ) (سورة الزمر: 18)
يعني أولئك الذين يستمعون إلى مختلف الآراء والأفكار المطروحة، ويقارنون فيما بينها مقارنة علمية، ويقيمونها بميزان العقل والمنطق، ثم يختارون من بينها أصوب الآراء، وأرقى الأفكار، وأسلم الطرق فيتبعونه..
لأن (القول) ـ في الآية ـ اسم جنس للرأي والفكر والمعتقد.
(يستمعون القول) بمعنى يستمعون مختلف أنواع الفكر والمبادئ والمعتقدات المعروضة في معرض الواقع.. ثم يبدأون المقارنة والتحليل والتقييم بينها، حتى يتوصلوا بذلك إلى الرأي الأصوب، والفكر الأفضل، ويتبعوا الأحسن.
والأمر يقتضي وجود حرية كافية، وتوفر أجواء سياسية مساعدة، تشجع على عرض مختلف الأفكار، والمذاهب، والآراء، ووضعها في معرض التقييم والمقاومة والتحليل، حتى يتم اختيار أي منها عن قناعة ودليل.
أما مع وجود مناخ سياسي مكبوت، وأجواء فكرية واجتماعية خانقة، فلا تظهر كنوز الفكر البشري، ولا تبرز جواهر الحكمة، بل تقبر المواهب والكفاءات، ويدفن العقل الإنساني تحت تراب أقدام الطواغيت، وحينئذ يضطر المفكرون والعباقرة أن يتحولوا إلى مساحي أحذية السلاطين، ويجبر حملة الأقلام والكتاب والمحررون أن يلمعوا وجه الحاكم البشع قبالة الفتات الذي يرميه إليهم.
5ـ ويروهم آيات القدرة:
هذه الفقرة تحتوي على التربية العقائدية للجيل الرسالي، ومن الواضح: أن التربية العقائدية تشكل أساس الرصين في بناء مجتمع متماسك مترابط، ومتحد ومنسجم فيما بينه، ومتجه إلى هدف واحد أصيل، فيقوده إلى الهدف نحو الحركة الدائبة، والانطلاق الدائم، والتحرك المستمر، نحو الهدف الأسمى، ونحو الأفضل، والى الأعلى، وإلى الأمام.
فلا عجب لو ركز الأمام في نهاية وصفه لمهمات الأنبياء على بيان الهدف الأسمى، والقمة العالية من تطلعات الإنسانية وكفاح البشرية، والنتيجة النهائية من تلك المسيرة التكاملية للإنسان، والكدح، والمعاناة الممزوجة في كيانه.
هذا الهدف وتلك القمة والنتيجة هي معرفة الله والوصول إليه، والبلوغ إلى الكمال المطلق، والكدح المتواصل حتى يلاقي مرضاة الله، فلابد من شد نظر الإنسان ورفع تطلعه إلى هذه القمة والكمال المطلق.. والجمال المطلق.. ولابد للإنسان في سبيل تربية نفسه، وبناء شخصيته العقائدية، أن يستدل من وجود النظام في الكون على وجود المنظم، ويستنتج من حركة كل ذرة في الكون بأنها دليل لوجود المحرك، ويعبر من يعبر من المادة إلى ما وراء المادة، ومن الكون إلى المكوّن، ومن الطبيعة وتحولاتها إلى خالق الطبيعة السرمدي الدائم..
وبالنتيجة: يسمو الإنسان بعقله فوق ذاته، وفوق المادة والتراب، ليبلغ إلى قمة الإنسانية التي تتلخص في العبودية المطلقة لله، وتطبيق نظامه ومنهجه في الحياة، والمجتمع، والسياسة، والاقتصاد، لأن إله الأرض هو إله السماء.. ولا إله إلا هو.. ولا يجوز تطبيق نظام غير نظام الله، وتنفيذ منهج غير منهجه القويم!!
الخلاصة
إن الإسلام عقيدة ونظام، عباد الله مطلقة، وكفاح في سبيل التحرر من الجبت والطاغوت، هكذا وصف الإسلام أحد المجاهدين من الرعيل الأول في صدر الرسالة الإسلامية أمام رستم قائد الفرس: بأن الإسلام (خروج من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن، ومن استعباد الإنسان لأخيه الإنسان إلى العبودية لرب الإنسان..)
وكما قال الله في المنهج الرسالي للنبي محمد (صلّى الله عليه وآله): (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ).
لقد جاء الأنبياء ليقوموا بدور التزكية للنفوس، والتربية الروحية، والبناء الذاتي الثوري للناس والطلائع المؤمنة كما قال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ).
وهذا دور عظيم وعظيم جداً في حياة النبي خاصة، وفي برنامج المسيرة الرسالية عامة.. أي دور التزكية..
لقد ورد ذكر التزكية قبل التعليم في الآية، لأن التزكية ـ أي التربية ـ قبل العلم، وحده بدون تزكية، وتربية الذات الثورية لا يكفي بل قد يضر أحياناً!!
فالعلم بدون الإيمان بالله والروح الإيمانية يعني قنبلة ذرية تلقى على هيروشيما تدمر الحياة والإنسانية!!
والعلم بأن العدل حسن والظلم قبيح، وبأن الصدق خلق حميد والكذب خلق سيئ لا يكفي، إنما يحتاج الإنسان إلى النفس المؤمنة، والإرادة الإنسانية القوية، التي تردعه عن الظلم والكذب، وتوجهه نحو العدل الصدق، ففي مواجهة ضعف النفس البشرية، وشهواتها، وسلبياتها، ومخاوفها، وعقباتها، التي تمنعها من الانطلاق في سبيل الحق والخير، وتحقيق السعادة الإنسانية، من قيد الهوى أو سائر الأغلال والموانع الذاتية التي تجعل الإنسان ضعيفاً أمام تقرير مصيره، واختيار طريقه الصحيح، واتخاذ قراره بالفعل وفق منهج الحق..
فالأساس المتين في بناء جيل رسالي جديد يستعد لتحمل مسؤولياته الرسالية أمام الله والإنسانية والتاريخ هو: التربية الروحية، وبناء الذات الثورية لدى هذا الجيل. 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* المصدر: من هدي السيرة النبوية/ تأليف الشيخ ـ كاظم السباعي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://ahlulbayt2.yoo7.com
 
البرنامج الرسالي للنهضة الإسلامية الحديثة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» توصيات إلى الجيل الرسالي الجديد

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أهل البيت عليهم السلام سادة أطهار2 :: السيرة النبوية وأهل البيت عليهم السلام-
انتقل الى: